متى يبدأ قيام الليل ومتى ينتهي
متى يبدأ قيام الليل ومتى ينتهي، أيها المسلم، أيتها المسلمة، أتريدون العزة والشرف؟، فاعلموا أن شرف المؤمن قيامه الليل، وأن تلك الصلاة لا تقوى عليها القلوب الواهية، وأن من أدركها فقد ربح، ومن ضيعها فقد ضاع شرفه وخسر خسرانًا مبينًا، فوالله إنها لمن أعظم شيم المؤمنين الذين يبيتون لربهم سجَّدًا وقيامًا.
فهل ترى أنك من بينهم؟ أم أنت ممن فرطوا فيها، أأنت من أهل الله وخاصته؟، أم ممن يهيمون على وجوههم حتى إذا جاءهم الموت انتبهوا، لعلك ممن اختارهم الله لينالوا ذاك الشرف العظيم ويعرفون متى يبدأ قيام الليل ومتى ينتهي ليجدوا به كنافلة تُدخلهم جناتِ النعيم.
متى يبدأ قيام الليل
انقسم العلماء في ذلك إلى فريقين، ليُبين كل منهما مدى فهمه بحسب ما ورد عن سنَّةِ نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، ويُمكن حصر آرائهم فيما يلي:
- أجمع جمهور العلماء على أن صلاة الوتر هي أصل قيام الليل، فهي متعلقة به، وقد انتهجوا نهج كونها تبدأ بعد صلاة العشاء وتنتهي عند مطلع الفجر وذلك اتباعًا لقول السيدة عائشة رضي الله عنها حين قالت:
” كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة” رواه البخاري ومسلم.
- اعتمادًا على قول تميم الجيشاني، عن سيدنا عمرو بن العاص، أن أبا بصرة قال أن النبي قال:
“إن الله زادكم صلاة، ألا وهي الوتر، فصلوها فيما بين العشاء والفجر” رواه الإمام أحمد.
كما روى أبو خزيمة “عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم، ولا بُدَّ من صلاة بليل ولو حلب شاة وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل” رواه الطبراني.
- أما القول الثاني والذي تبناه المذهب الحنبليّ، فقالوا أن القيام يبدأ ببدء الليل، والذي يبدأ بآذان المغرب فإن القيام يبدأ آنذاك، وأجمع أصحاب المذهب وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل “قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر“، وقالوا في “الروض المربع” أن قيام الليل “يسن افتتاحه بركعتين خفيفتين، ووقته من الغروب إلى مطلع الفجر”.
موعد صلاة قيام الليل
اختلف في ذلك علماء الأمة الإسلامية، وبالطبع لكلٍ منهم استناده واستدلالاته من الكتاب والسنة، وفي ذلك الاختلاف رحمة من رب العالمين، لرفع الحرج عن كافة المسلمين، وليُطبق كلٌ منهم الصواب بحسب طاقته وما ترتضيه نفسه، فتلك الصلاة لها فضلٌ عظيم لا يُضاهيه فعل ولا تُرفع لك الدرجات بأفضل منه أبدًا ما حييت.
فلتكن ممن يتركوا راحتهم في سبيل لقاء الله والامتثال بين يديه، ولتكن ممن يحرصون على جهاد نفوسهم والانقياد وراء طريق الفلاح للفوز بالجنة والنجاة من النار.
فضل قيام الليل
حثنا ربنا جل وعلا على قيام الليل في العديد من الآيات القرآنية المباركة، لما له من فضلٍ عظيم، فقد قال تعالى ما يلي:
- سورة الإسراء آية 79 “ومن الليل فتهجَّد به نافلةً لك عسل أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا”، ومن تلك الآية يتضح أن أول فضل قيام الليل هو مجاورة النبي محمد أشرف الخلق في الجنة في الفردوس الأعلى، وذلك لأولئك الذين خصهم الله بقوله تعالى “كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون” سورة الذاريات
- يُعد قيام الليل مُقامًا عاليًا من العبودية فضلًا عن كونه شكر لنعم الله التي لا حصر لها، فقد رويَّ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له، لِمَ تفعل هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال “أفلا أكون عبدًا شكورًا”.
- أكثر ما يرفع درجات المسلم قيامه الليل، فقد قال النبي “يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعِموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصَلَّوا بليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.
روى أبي مالكٍ الأشعريّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام”.
آيات قرآنية لقيام الليل
حدث الله تعالى نبيه جل وعلا في مواضعٍ عدة في القرآن عن قيام الليل، ومنها:
قوله عز وجل “يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلًا، نصفُهُ أو انقص منه قليلًا، أو زد عليه ورتلِ القرآن ترتيلًا” سورة المزمل 1-4.
قوله تعالى “إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثُلُثي الليل ونصفه وثُلُثه وطائفة من الذين آمنوا معك والله يُقَدِّر الليل والنهار عَلِمَ أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن عَلِم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضلِ الله وآخرون يُقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه” المزمل
قّوله تعالى “إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلًا” يًقصد هنا بالناشئة هي قيام ما بعد النوم عظيم ثوابه، إذ آثر المسلم قيامه على راحته، فمن لم ينم فلا ناشئة له.
صفة صلاة قيام الليل
أشار النبي أن صلاة الليل تكون “مثنى مثنى” أي يُصليها المسلم ركعتان ركعتان، ودل على ذلك الأقوال التالية:
روى عبد الله بن عمر أن النبيّ قال “صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا رأيت الصبح يُدركك فأوتر بواحدة”، فقال عبد الله ما مثنى مثنى؟ فقال النبي “تُسلِّم في كل ركعتين”.
رواية السيدة عائشة رضي الله عنها “كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، ويُسَلِّم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر وجاءه المؤذن، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شِقِهِ الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة” رواه البخاري ومسلم.
عدد ركعات قيام الليل
اجتمع العلماء على أن قيام الليل ليس له حدًا معين لا يُزاد عليه ولا يُنتقص منه، بل كُلٌ حسب مقدرته، ورويّ أن النبي كان يُصلي ثلاث عشرة ركعة، ركعتين ثم ركعتين ويوتر بواحدة قبل آذان الفجر، فهي تبدأ من ركعتين إلى ما تُريد، ولكن انتهج نهج النبي كما قال “كنت أقوم وأنام”.
حكم المداومة على قيام الليل
لم يَسِن النبي الكريم قيام الليل كُلُه، بل أنكر ذلك على أحد الصحابي حين قال “أنا أقوم، ولا أنام” فقال النبي “أنا أقوم وأنام، فمن رغب عن سنتي فليس مني” فإن لبدن المسلم عليه حق فليعط كل ذي حقٍ حقه، فقد روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي قال ” أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يومًا ويفطر يومًا”.
حكم من فاته قيام الليل
روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان إذا غلبه نومٌ أو وجعٌ عن قيام الليل، صلى من النهار ثنتيّ عشرة ركعة”، ومن هنا استنبط العلماء أن من فاته القيام، فلا بُدَّ أن يُصليه في النهار، واتفق على ذلك الحنابلة وابن تيمية والشوكانيّ وابن عثيمين وابن القيم.
خلاصة القول، اجتهد أيها المسلم في قيام الليل، فلا تعلم ما أُخفيَّ لك من قرة أعين من مداومتك عليه، ولا تقطعه أبدًا وإن قلَّ، فقليلٌ دائم خيرٌ من كثيرٍ متقطع، وقد أجبنا عن التساؤل الذي حير الكثيرون.
ألا وهو متى يبدأ قيام الليل ومتى ينتهي بكافة آراء العلماء وعليك أن تأخذ ما يرضاه قلبك، واستفت قلبك وإن أفتاك الناس لطالما اتبعت سبيل الهدى فلن تضل أبدًا ولن تشقى.
عزيزي القارئ نتمنى أن نكون قد قدمنا كافة المعلومات عن متى يبدأ قيام الليل ومتى ينتهي عبر موقع محتوى ونحن على أتم الاستعداد للرد على استفساراتكم في أسرع وقت.